Jun 1, 2011

عذرية وطن


قتل الجيش فرحتنا عندما سمعنا عن الانتهاكات والتعذيب الذي تعرض له المتظاهرين من الشباب الذين قاموا بالثورة وشاركوا فيها أساسا بسبب انتهاكات الشرطة والتعذيب والملاحقة التي تعرض لها العديد من المصريين.

لم أنكر أقوال النشطاء عندما عرفت بقيام الجيش بعمل كشف عذرية للمتظاهرات اللاتى اعتقلن يوم 9 مارس الماضي ولكن تأكيد الخبر الذي نشرته وكالة CNN  على لسان أحد قيادات العسكر المجهولين  فتح الجرح مرة أخرى وزاد مرارتنا وأوجاع ثورتنا.

تأتي كشوف العذرية كجزء متأصل من ثقافتنا وعاداتنا التي تختزل شرف العائلة في غشاء البكارة فكشوف العذرية لا يمارسها الجيش فقط ولكنها تمارس أيضا منذ القدم في صورة الدخلة البلدي، وحتى في الأسر الأفضل قدرا من التعليم والثقافة يستخدم العروسين الملاءة البيضاء (المحرمة) لإثبات شرف العروس وأنها حافظت على بكارتها حتى ليلة الدخلة، وتحتفظ العديد من النساء بهذا الدليل لبقية عمرهن، بل يتم عرض هذا الدليل في طقوس احتفالية على الجماهير المهتمة حتما  بهذا الحدث.

وحيث أن الرجال لا يملكون غشاء بكارة فهم لا يتعرضون لكشوف عذرية، غير أن ثقافتنا دائما ما تكيل بمكيالين وأصبحت المعايير المزدوجة هي السائدة، فالرجل الذي لديه علاقات نسائية يتفاخر بها والعائلة تضحك (الولد كبر) أما الفتاة فتنصح منذ سن مبكر بالحفاظ على ساقيها مضمومتين عند الجلوس كرمز على العفة والشرف.

ونحن هنا لا ننادي أن تتخلص النساء بغشاء بكارتهن خارج إطار الزواج (وهي حرية شخصية على أي حال) ولكن أين المساواة؟  ماذا يحدث عندما لا تنزف الفتاة في ليلة دخلتها بالرغم أن ذلك قد يكون عائدا لأسباب بيولوجية ترتبط بطبيعة غشائها؟ كم فتاة فقدت حياتها بسبب ذلك؟ هل هناك اختبار عذرية للرجال؟ لو اعترفت فتاة لزوجها بقيامها بعلاقة قبل الزواج هل يثق بها بعد ذلك؟ وماذا لو حدث العكس؟

استخدم الجيش هذه المنظومة المختلة للقيم لكسر عزيمة وكرامة المتظاهرات بل وكان العذر أقبح من ذنب (حتى لا تدعي الفتيات أنه تم اغتصابهن). ألا يدرك من قام بهذا الانتهاك أن ما حدث لهن على أيدي أطباء رجال وعلى مرأى للجنود نوع من الاغتصاب في حد ذاته؟ ولماذا يسمحوا لأنفسهم بإصدار الحكم على أشخاص بحسب عذريتهن؟ وهل هذا يدل أن المتظاهرات المشاركات في الثورة كلهن منحرفات أخلاقيا؟

على أية حال فإن هذه ليست أول مرة تقوم السلطات بفحص الأشخاص للاستدلال على سلوكهم الجنسي والذي هو من أدق الأمور وأكثرها حساسية؟ ذكرتنا كشوف العذرية بالفحوص الشرجية التي تم عملها للرجال الذين تم القبض عليهم في كوين بوت تلك القضية الشهيرة التي أثارت الرأي العام في 2001 وعرفت بقضية الشذوذ الجنسي. لماذا تسمح الدولة لنفسها بالتدخل في تلك الخصوصيات؟ ألا تدرك أنه ليس دور الدولة التدخل في كيف يستخدم الأفراد أجسادهم؟ 

لماذا تستمر تلك الرؤية الضيقة للشرف؟ فالشرف هو الصدق والوضوح والأمانة والإخلاص وغيرها من الصفات ولكن مجتمعنا يحرض على الكذب والتدليس والنفاق والمعايير المزدوجة. مجتمعنا يحكم على الآخر بدون الاكتراث لمعرفة الدوافع والأسباب. مجتمعنا لا يقبل الآخر كما هو ويصر أن نكون كلنا نسخ متشابهة عديمة التنوع والتمايز. 

لقد حان أوان ثورة الفكر.